توثق منظمة مناصرة ضحايا دارفور في هذا التقرير واقعة جديدة تعكس نمطًا راسخًا من الانتهاكات الجسيمة والمنهجية التي تُرتكب في مناطق سيطرة القوات المسلحة السودانية والأجهزة الأمنية التابعة لحكومة بورتسودان، حيث جرى تحويل المنظومة الأمنية من أداة لحماية المدنيين إلى وسيلة للإقصاء السياسي، والاستهداف الانتقائي، وإعادة إنتاج القمع على أسس سياسية وإثنية، في سياق يتقاطع فيه العمل الأمني مع تصفية الخصوم المدنيين خارج إطار القانون.
تشير إفادات موثوقة حصلت عليها منظمة مناصرة ضحايا دارفور من داخل ولاية القضارف إلى أن الولاية شهدت، في حوالي الساعة العاشرة من مساء يوم الأربعاء 18 ديسمبر 2025م، حملة مداهمات واعتقالات ليلية نفذتها قوة أمنية مدججة بالسلاح، تتبع لإحدى الجهات الأمنية المرتبطة بحكومة بورتسودان. وقد اقتحمت القوة منازل مدنيين بصورة مفاجئة ودون إبراز أوامر قبض أو إذن تفتيش، في انتهاك صريح لأبسط الضمانات القانونية، وشرعت في اعتقال نشطاء مدنيين وأعضاء بلجان المقاومة عُرفوا بانخراطهم في ثورة ديسمبر المجيدة أو بمواقفهم السياسية المعارضة.
ووفقًا لما وثقته منظمة مناصرة ضحايا دارفور، شملت هذه الحملة اعتقال وجدي خليفة، أحد الوجوه البارزة في الحراك الثوري، من منزله دون توجيه أي اتهام، كما تم اعتقال إسراء الرشيد، وهي طالبة جامعية، إلى جانب كل من أيمن حريري، ومحمد آدم مامادو، ومعتصم عثمان، ومحمد علي، ومصعب عبد الرحيم، وريان كولا. وقد جرى اقتياد جميع هؤلاء المدنيين إلى جهة غير معلومة، دون إخطار ذويهم بمكان الاحتجاز أو أسباب الاعتقال، ما أدخل أسرهم في حالة قلق بالغ وخوف مشروع على مصيرهم.
وتكتسب هذه الواقعة خطورتها ليس فقط من طبيعة الاعتقال ذاته، وإنما من السياق الذي وقعت فيه، إذ تؤكد منظمة مناصرة ضحايا دارفور أن هذه الحملة تندرج ضمن سياسة أوسع انتهجتها الأجهزة الأمنية في مناطق سيطرة الجيش، تقوم على الاستهداف المنهجي للشباب، لا سيما أولئك الذين يُنظر إليهم باعتبارهم امتدادًا للثورة أو رافضين لإعادة تمكين حزب المؤتمر الوطني وحلفائه. ويلاحظ أن هذا الاستهداف يتم غالبًا على أسس سياسية صريحة، ويتقاطع في حالات كثيرة مع أبعاد إثنية ومناطقية، بما يعيد إنتاج أنماط الإقصاء والعقاب الجماعي التي عرفها السودان في مراحل سابقة.
وفي هذا السياق، تُسجّل منظمة مناصرة ضحايا دارفور بقلق بالغ إعادة تفعيل ما يُعرف بـ«قانون الوجوه الغريبة» وغيره من التدابير الاستثنائية، واستخدامها كغطاء قانوني شكلي لشرعنة الاعتقال التعسفي. وقد أدى تطبيق هذا القانون، بحسب ما وثقته المنظمة في ولايات متعددة، إلى اعتقال آلاف المدنيين، كثير منهم من الشباب، بزعم الاشتباه أو الاشتباه السياسي، قبل أن تنتهي حالات عديدة إلى اختفاء قسري، أو تصفية خارج نطاق القضاء، أو إحالة المعتقلين إلى محاكمات تفتقر إلى الاستقلال والحياد، تحت مواد جنائية تصل عقوبتها إلى الإعدام، دون ضمانات حقيقية للمحاكمة العادلة.
وترى منظمة مناصرة ضحايا دارفور أن ما جرى في ولاية القضارف لا يمكن عزله عن هذا المسار العام، بل يمثل حلقة جديدة في سلسلة من الممارسات التي تهدف إلى تفريغ المجال العام من أي معارضة مدنية سلمية، وكسر دور لجان المقاومة، وبث الخوف داخل المجتمع، تمهيدًا لإعادة فرض سلطة أمنية مطلقة تقوم على القمع بدل الشرعية. كما أن الطابع الانتقائي لهذه الاعتقالات، واستهداف فئة عمرية محددة، يعكس توجّهًا ممنهجًا لمعاقبة الشباب بوصفهم فاعلًا سياسيًا، لا بوصفهم أفرادًا ارتكبوا أفعالًا مجرّمة.
وتؤكد منظمة مناصرة ضحايا دارفور أن هذه الممارسات تمثل انتهاكًا جسيمًا للدستور الانتقالي، وللالتزامات الدولية المترتبة على السودان بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، ولا سيما الحق في الحرية والأمان الشخصي، وحظر الاعتقال التعسفي، وحظر الإخفاء القسري، وضمان الحق في المحاكمة العادلة. كما أن استمرار احتجاز المدنيين في أماكن غير معلومة، وحرمان أسرهم من أي معلومات عن مصيرهم، يثير مخاوف حقيقية من تعرضهم للتعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية.
وبناءً عليه، تُحمّل منظمة مناصرة ضحايا دارفور الجهات الأمنية التابعة لحكومة بورتسودان المسؤولية الكاملة عن سلامة وجدي خليفة، وإسراء الرشيد، وأيمن حريري، ومحمد آدم مامادو، ومعتصم عثمان، ومحمد علي، ومصعب عبد الرحيم، وريان كولا، وتطالب بالكشف الفوري عن أماكن احتجازهم، وضمان تمتعهم بكامل حقوقهم القانونية. كما تشدد المنظمة على ضرورة الإفراج الفوري وغير المشروط عنهم، أو تقديمهم – في حال وجود أي ادعاءات حقيقية – إلى قضاء مدني مستقل تتوفر فيه جميع معايير العدالة، مؤكدة أن استمرار هذه الانتهاكات، في ظل غياب المساءلة، لا يؤدي إلا إلى تعميق الأزمة الوطنية وتقويض أي أفق للسلام أو التحول الديمقراطي في السودان.