يأتي هذا التقرير في سياق أزمة وطنية غير مسبوقة يشهدها السودان منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023، حيث انهارت المنظومة التعليمية في معظم ولايات البلاد المتأثرة بالنزاع، وتحوّل الحق في التعليم من التزام دستوري ودولي إلى حلم مهدد بالزوال، خاصة في المناطق الريفية والهامشية. وتُعد منطقة فروك، الواقعة شمال محلية كتم بولاية شمال دارفور وعلى مسافة تقارب 40 كيلومترًا من مدينة كتم، نموذجًا صارخًا لهذا الانهيار المتواصل.
إن توقف التعليم في منطقة فروك لا يمثل مجرد تعطل مؤقت للعملية التعليمية، بل يُجسّد أزمة عميقة تمس جوهر مستقبل الأطفال والمجتمع بأسره، وتُهدد بصورة مباشرة إمكانية تحقيق الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة المتعلق بضمان التعليم الجيد والشامل والمنصف للجميع. ومع استمرار الحرب، أصبحت المخاطر المحيطة بالتعليم في هذه المنطقة أكثر حدة من أي وقت مضى، سواء من حيث الانقطاع الكامل للدراسة، أو تدهور البنية التحتية، أو النزيف المستمر في الكوادر التعليمية.
منذ أبريل 2023، توقفت الدراسة في غالبية مدارس المنطقة نتيجة للأوضاع الأمنية، والانهيار الاقتصادي الحاد الذي طال الأسر والمعلمين على حد سواء، إضافة إلى الهجرة الواسعة للكادر التعليمي بحثًا عن سبل العيش أو الأمان. وفي العام 2023، بذلت غرفة طوارئ فروك محاولات جادة لإعادة فتح المدارس واستئناف العملية التعليمية، إلا أن تلك الجهود تعثرت لأسباب موضوعية، من بينها هشاشة الوضع العام للدولة، والعجز الاقتصادي لدى المجتمع المحلي عن تحمّل تكاليف التعليم، وغياب العدد الكافي من المعلمين، فضلًا عن التساؤلات المشروعة التي طرحها الأهالي حول جدوى استمرار التعليم في ظل حرب مفتوحة.
وفي عام 2024، زادت الكوارث الطبيعية من تعقيد المشهد، إذ تسببت الأمطار الغزيرة والسيول في دمار واسع طال المباني المدرسية، بما في ذلك الفصول الدراسية، وغرف المعلمين، ودورات المياه، والمكاتب والمخازن، ما جعل عدداً من المدارس غير صالحة للاستخدام. ورغم ذلك، لم تتوقف المبادرات المحلية، حيث وضعت غرفة طوارئ فروك خطة واقعية لاستمرار التعلم في حال توفر دعم خارجي، تركز على تدريس المواد الأساسية: اللغة العربية، والرياضيات، والتربية الإسلامية، واللغة الإنجليزية، باعتبارها الحد الأدنى الضروري للحفاظ على الصلة التعليمية للأطفال.
إن استمرار إغلاق المدارس لفترات طويلة يحمل مخاطر جسيمة، من بينها ارتفاع احتمالات التسرب المدرسي، وعدم عودة عدد كبير من التلاميذ إلى مقاعد الدراسة، خاصة الأطفال الأكثر فقرًا وهشاشة، والذين اضطروا بالفعل إلى الانخراط في أنماط حياة قسرية بسبب النزاع. ومن هنا، فإن مسؤولية حماية الحق في التعليم لا تقع على عاتق جهة واحدة، بل تتطلب تنسيقًا عاجلًا بين المعلمين، وأولياء الأمور، والمجتمع المحلي، والمنظمات الإنسانية، لتخفيف الآثار المدمرة لتوقف التعليم.
وعليه، تطالب منظمة مناصرة ضحايا دارفور المنظمات الدولية والإنسانية، والجمعيات الخيرية، وعلى وجه الخصوص منظمة اليونيسف، بالتدخل العاجل لدعم العملية التعليمية في منطقة فروك والمناطق المجاورة، من خلال توفير الكتاب المدرسي، ودعم مرتبات وحوافز المعلمين، وصيانة وإعادة تأهيل المباني المدرسية، وضمان استمرارية التعليم في بيئة آمنة قدر الإمكان. كما تؤكد المنظمة على ضرورة إدماج الدعم النفسي والاجتماعي للتلاميذ والمعلمين ضمن أي استجابة تعليمية، نظرًا للآثار النفسية العميقة التي خلّفتها الحرب والنزوح وفقدان الاستقرار.
إن التعليم في سياق النزاعات لا يُعد ترفًا أو نشاطًا ثانويًا، بل يمثل أداة أساسية للحماية، وللتخفيف من آثار الصراع على الأطفال، ودعم تعافيهم النفسي والاجتماعي، ومنع جيل كامل من الضياع. كما أن حماية رفاه المعلمين وأمنهم الاقتصادي تُعد شرطًا لا غنى عنه لاستمرار أي عملية تعليمية ذات معنى.
البيانات الأساسية للمدارس في منطقة فروك ومحيطها:
تضم المنطقة تسع مدارس عاملة أو متوقفة جزئيًا، يبلغ إجمالي عدد التلاميذ فيها 3,362 تلميذًا وتلميذة، وعدد المعلمين 81، وعدد العمال 43، موزعين على النحو الآتي:
– مدرسة فروك الابتدائية المختلطة (654 تلميذًا، 13 معلمًا، 5 عمال)
– مدرسة فروك المتوسطة (159 تلميذًا، 8 معلمين، دون عمال)
– مدرسة فروك الثانوية بنين (390 طالبًا، 12 معلمًا)
– مدرسة فروك الثانوية بنات (410 طالبات، 6 معلمين، 6 عمال)
– مدرسة الوفاق الابتدائية المختلطة (650 تلميذًا، 12 معلمًا، 5 عمال)
– مدرسة الشوباني الابتدائية المختلطة (460 تلميذًا، 16 معلمًا، 4 عمال)
– مدرسة الشوباني المتوسطة (150 تلميذًا، معلمان فقط، دون عمال)
– مدرسة دارو الابتدائية المختلطة (320 تلميذًا، 4 معلمين، 5 عمال)
– مدرسة دارو المتوسطة (169 تلميذًا، 4 معلمين، 5 عمال)
الخلاصة والتوجه العام
إن مستقبل آلاف الأطفال في منطقة فروك بات معلقًا على سرعة الاستجابة الإنسانية وقدرتها على الانتقال من الدعم المحدود إلى تدخل واسع ومنظم. فاستمرار التعليم، ولو في حدوده الدنيا، يشكل خط الدفاع الأخير في وجه الجهل، والعنف، وضياع جيل كامل حُرم من أبسط حقوقه. ومن هذا المنطلق، تؤكد منظمة مناصرة ضحايا دارفور أن الاستثمار في التعليم اليوم هو استثمار في السلام والاستقرار غدًا، وأن أي تأخير في دعم هذا القطاع الحيوي ستكون كلفته الإنسانية والاجتماعية باهظة ولا يمكن تداركها لاحقًا
https://www.tiktok.com/@darfur_victims_support/video/7589576805011557644