ها نحن نصل إلى العدد الثالث عشر من أصوات الضحايا، لا كصفحات تُطبع فحسب، بل كصرخة حيّة تخرج من بين أنين المخيمات ووجع المدن المحاصرة. كل عددٍ من صحيفتنا هو ثمرة تعبٍ وسهر، وقطرة أملٍ تُزرع في أرضٍ أنهكتها الحروب والجوع والمرض.
أيها القارئ،
الوضع في بلادنا لم يعد يحتمل الوصف: الكوليرا تفتك بالأجساد في دارفور، بأكثر 12000 ألف إصابة وآلاف الأسر المنكوبة؛ حمى الضنك تنتشر في الأبيض والجزيرة كالنار في هشيمٍ منسيّ؛ وأرواحٌ بريئة تُزهق كل يوم، في صمتٍ يوجع أكثر من الرصاص. إنها ليست أرقامًا تُكتب في تقارير، بل وجوه أمهات، ودموع أطفال، وصرخات شبابٍ حُرموا من حقهم في الحياة.
ورغم هذا السواد، لم نرفع الراية البيضاء. بدعمٍ من شركائنا – منظمات الأمل والملاذ ومناصرة ضحايا دارفور – استطعنا أن نوصل الغذاء لألف أسرة، أي خمسة آلاف روح تشبثت بالحياة. دعمنا اثني عشر مركزًا صحيًا في دارفور، من القومة إلى كورما والمنع، لنقول للعالم: حتى في زمن الموت، يمكن أن تُزرع بذرة حياة.
سياسيًا، قد يشهد سبتمبر بارقة ضوء. أن تجتمع الرباعية مصر والسعودية والإمارات والولايات المتحدة على كلمة واحدة، رافضة للحل العسكري، داعيةً لحل سياسي، فهذا حدث يستحق أن يُسجل. أن يلحق بهم الاتحاد الأفريقي والإيغاد ومجلس التعاون الخليجي، فهذا يزيد الأمل بأن ثمة بابًا يُطرق. لكن الحقيقة المُرّة تظل قائمة: ما لم يضع الجيش والدعم السريع والحركات المسلحة سلاحهم على الطاولة، وما لم يجلسوا للحوار الجاد، فإن دماء الأبرياء ستظل وقودًا في حرب عبثية.
نحن نعلم – ويعلم العالم – أن الانتهاكات لم تتوقف. في الفاشر، في كردفان، في قلوبنا جميعًا. لذلك نقولها بملء الصوت: لا سلام بلا عدالة، ولا استقرار بلا محاسبة. لا يمكن أن يُبنى مستقبل فوق ركام الضحايا دون أن تُرد لهم الكرامة ويُعترف بآلامهم.
أصوات الضحايا ليست صحيفة تُقرأ وتُطوى؛ إنها أمانة نحملها، عهدٌ قطعناه مع كل من فقدوا حياتهم أو شُردوا أو حُرموا من أبسط حقوقهم. سنظل نقول كلمتنا، ونرفع الصوت عاليًا، حتى يصل صداه إلى جنيف ونيويورك، وحتى يرتد صداه في قلوب صُنّاع القرار، وأولًا وأخيرًا في قلوب أبناء شعبنا.
في هذا العدد، لا نحتفل برقمٍ جديد، بل نُجدّد وعدنا: أن نبقى أوفياء للضحايا، أن نصنع من الألم قوة، ومن الركام أفقًا جديدًا. فلتكن هذه الصفحات شهادة على زمنٍ صعب، وصرخةً نحو زمنٍ أجمل قادم.