توثق منظمة مناصرة ضحايا دارفور في هذا التقرير واقعة جديدة ضمن نمط مستمر من الهجمات الجوية التي تنفذها القوات المسلحة السودانية منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023م، باستخدام الطيران الحربي والطائرات المسيّرة، والتي تستهدف المدنيين والأعيان المدنية بصورة مباشرة أو عشوائية. وتؤكد المنظمة أن هذا النمط من الاستهداف لا يمكن تفسيره باعتباره أضرارًا جانبية، بل يعكس نهجًا عسكريًا متعمدًا يقوم على تدمير المرافق العامة وحرمان السكان المدنيين من مقومات الحياة الأساسية، في خرق واضح لقواعد ومبادئ القانون الدولي الإنساني، ولا سيما مبادئ التمييز والتناسب واتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية المدنيين.
في هذا السياق، وبتاريخ الثلاثاء 16 ديسمبر 2025م، وفي حوالي الساعة الثانية ظهرًا بتوقيت السودان، تعرضت محلية مليط، الواقعة شمال مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور بنحو 65 كيلومترًا، لهجوم جوي نفذته طائرة مسيّرة تابعة للقوات المسلحة السودانية. وقد استهدف الهجوم سوق محلية مليط ومدرسة الكنزي الثانوية الثانية، وهما موقعان مدنيان محميان بموجب أحكام القانون الدولي الإنساني، ويُستخدمان لأغراض مدنية بحتة.
وأفاد شاهد عيان، قابلته منظمة مناصرة ضحايا دارفور من داخل المدينة، بأن الطائرة المسيّرة حلّقت على ارتفاع منخفض فوق المنطقة قبل أن تطلق ذخائرها بشكل مباشر على السوق والمدرسة، في وقت كان فيه المدنيون متواجدين بأعداد كبيرة ويمارسون أنشطتهم اليومية المعتادة، دون وجود أي مظاهر لتمركز عسكري أو أهداف ذات طبيعة عسكرية في محيط الموقع المستهدف.
أسفر هذا الهجوم عن مقتل خمسة مدنيين، من بينهم امرأة تُدعى نفيسة حسن رشيد، تبلغ من العمر 67 عامًا، وتقيم في الحي الغربي من مدينة مليط. كما أدى القصف إلى إلحاق أضرار جسيمة بالسوق والمدرسة المستهدفتين، ما فاقم من معاناة السكان المحليين، خاصة في ظل التدهور الحاد في الخدمات الأساسية وانعدام البدائل التعليمية والخدمية.
أن هذه الواقعة ليست حادثة معزولة، بل تأتي ضمن سياق أوسع من الانتهاكات المتكررة التي تعرضت لها محلية مليط منذ اندلاع الحرب، حيث سجلت المدينة أكثر من سبعين غارة جوية نفذتها الطائرات الحربية والمسيّرة التابعة للجيش. وقد أسفرت هذه الغارات عن دمار واسع النطاق في البنية التحتية المدنية، شمل محطات المياه، المدارس، والمرافق الصحية، وأدت إلى نزوح قسري لعشرات الآلاف من المدنيين. وتزداد خطورة هذه الانتهاكات بالنظر إلى أن مدينة مليط تُعد من أكبر مراكز إيواء النازحين الفارين من مدينة الفاشر والمناطق المجاورة، ما يجعل استهدافها المتكرر تقويضًا مباشرًا لما تبقى من الحماية المدنية لفئات تعيش أصلًا في أوضاع إنسانية شديدة الهشاشة.
وترى منظمة مناصرة ضحايا دارفور أن استهداف سوق محلية مليط ومدرسة الكنزي الثانوية يشكل انتهاكًا جسيمًا للقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك أحكام اتفاقيات جنيف والقواعد العرفية ذات الصلة، التي تحظر الهجمات الموجهة ضد المدنيين والأعيان المدنية، كما تحظر الهجمات العشوائية أو غير المتناسبة. وبالنظر إلى الطابع المتكرر والمنهجي لهذه الغارات، وغياب أي ضرورة عسكرية تبررها، فإن هذه الأفعال قد ترقى إلى جرائم حرب تستوجب المساءلة الجنائية الفردية للقادة والفاعلين المسؤولين عن التخطيط أو إصدار الأوامر أو التنفيذ.
أن استمرار استخدام سلاح الطيران ضد المناطق المدنية في دارفور يمثل سياسة ممنهجة تهدف إلى إفراغ المناطق من سكانها، وتدمير مقومات بقائهم، وفرض واقع إنساني كارثي. وتؤكد المنظمة أن هذه الانتهاكات تستوجب تحركًا دوليًا جادًا وعاجلًا لضمان حماية المدنيين، ووضع حد لاستخدام القوة الجوية ضدهم، وضمان عدم إفلات المسؤولين عن هذه الجرائم من المساءلة وفقًا لمبادئ العدالة.