بقلم: رئيس التحرير آدم موسى أوباما
نصل اليوم إلى العدد التاسع عشر من صحيفة أصوات الضحايا، في وقتٍ يشهد فيه السودان لحظة فارقة في تاريخه المعاصر. عددٌ جاء في ظروف قاسية ومعقدة، لكنه خرج إلى النور بجهدٍ كبير من شباب القسم الإعلامي الذين لم تثنِهم التحديات عن أداء رسالتهم — التحية لهم، ولروح المبادرة التي تحركهم في قلب هذا الظلام الطويل.
إن ما جرى في مدينة الفاشر مؤخرًا يختصر مأساة الوطن بأكمله. بعد أن قوات الدعم السريع سيطرت على المدينة بين السادس والعشرين والسابع والعشرين من أكتوبر، و الانتهاكات التي رافقت الأحداثصادمًا، وأصاب المدنيين مباشرةً.
وقد بادرت منظمتنا بإصدار بيان واضح، طالبنا فيه بتشكيل لجان تحقيق مستقلة لمحاسبة الجناة وتقديمهم للعدالة، مؤكدين في الوقت ذاته على ضرورة إبعاد جميع المجموعات المسلحة عن أماكن سكن المدنيين، وهي المطالبة التي ظللنا نرفعها منذ فترة طويلة.
نحن نحذر مجددًا من عسكرة الحياة المدنية، ونؤمن أن الحرب في السودان لا يمكن أن تُحسم بالبندقية، بل بالعقل والحوار. لذلك، نجدد دعوتنا لجميع الأطراف للاحتكام إلى صوت العقل والانخراط في عملية سياسية جادة تضع حدًا لمعاناة الشعب.
وفي هذا السياق، نُحيّي الجهود التي تبذلها الرباعية الدولية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ونسجل تقديرنا للمنظمات الساعية لتقريب وجهات النظر، وعلى رأسها منظمة البروميديشن وغيرها من الشركاء الدوليين والإقليميين. إن الضغط على الأطراف المتحاربة للجلوس إلى طاولة المفاوضات بات ضرورة وطنية وإنسانية.
ونؤكد مجددًا أن الحل السياسي المستدام لا يتحقق إلا بقيادة مدنية كاملة للفترة الانتقالية، تُعيد للسودان توازنه وتفتح الطريق أمام انتخابات حرة ونزيهة. وعلى العسكر في جميع مكوناتهم أن يدركوا أن دورهم المهني معروف، وأن مكانهم ليس في ميدان السياسة بل في حماية الوطن وحدوده.
وعلى الصعيد الإنساني، فقد واصلت منظمة مناصرة ضحايا دارفور بالتعاون مع منظمة الأمل والملاذ للاجئين تقديم المساعدات العاجلة للنازحين الجدد الذين وصلوا إلى محلية طويلة، حيث تم توزيع مئات السلال الغذائية، كما جرى تنفيذ عمليات دعم مماثلة في معسكر كلمة بولاية جنوب دارفور، إضافة إلى حملة توعوية حول سرطان الثدي بمحلية مليط في شمال دارفور ضمن فعاليات أكتوبر الوردي.
وفي الوقت ذاته، ندين بشدة الانتهاكات المتكررة ضد المدنيين في شمال دارفور وشمال كردفان، وندعو إلى تحقيق عاجل في التقارير التي تؤكد مقتل مدنيين جراء هجمات جوية وبرية، أبرزها الهجوم الذي وقع في سرف عمرة وكبكابية ومعسكر سيليك للنازحين، وأسفر عن مقتل ستة أشخاص خلال أكتوبر الجاري.
كما نستنكر القرار الأخير الصادر عن سلطة الأمر الواقع في بورتسودان، القاضي بطرد منسق الشؤون الإنسانية لبرنامج الغذاء العالمي (WFP) ومنحه مهلة 72 ساعة لمغادرة البلاد. نعتبر هذا القرار تصرفًا غير مسؤول، يعرض حياة عشرات الآلاف من المدنيين للخطر، في وقت هم فيه بأمسّ الحاجة للمساعدات الإنسانية.
ختامًا، ونحن نضع هذا العدد بين أيديكم، نُجدّد العهد بأن تبقى أصوات الضحايا مساحة حرة لنقل الحقيقة والدفاع عن قيم العدالة والكرامة الإنسانية. لن نصمت، لأن الصمت في زمن المأساة تواطؤ، ولأن الكلمة تبقى أقوى من الرصاصة.